إننا لا نتناولُ في هذا الكتابِ سردَ أحداثٍ معينةٍ من التاريخِ الإسلاميّ ومناقشةِ خطئها أو صحتِها، ولكننا نُلقي نظرةً عامةً على الخطوطِ العريضةِ للتاريخِ الإسلاميّ وطرقِ تدريسِه الحاليةِ ونتائجِها، والطرقِ التي ينبغي أن يُدرَّسَ بها، والافتراءاتِ التي يتَعرَّضُ لها من قِبَل المُستشرقين وغيرِهم من الشانئين وطرقِهم في تزويرِه، وهذا التناولُ مبني على أنَّ التاريخَ الإسلاميّ جزءٌ من الإسلام ككلٍّ وغير منفصلٍ عنه؛ إذْ إنَّ أي محاولةٍ لفصلِه تنمُّ عن جهلٍ بالإسلامِ وتاريخِه وتُسيءُ إليهما.
إن من المُؤسفِ أنَّ دراستَنا ومشاربَنا الحالية للتاريخِ الإسلامي لم تكتفِ بأصولِه الأولى الموروثة عن ثقاتِنا من العلماءِ والمؤرِّخين المسلمين، ولكن اعتمدت اعتمادًا كبيرًا –وكليًّا في كثيرٍ من الأحيان- على منابعَ غيرِ صافية، كالمستشرقين ومن تابعَهم من المنتسبين إلى الإسلام، وللإنصافِ كانت بعضُ آثارِ المُستشرقين نافعةً ومخلصة مهما كانت دوافعُهم.
والتاريخُ الإسلاميّ ليس تاريخ فكرةٍ وأحداثٍ وظواهرَ وأوضاع سياسية ودول فحسب، بل إنَّه قبلَ كلِّ شيءٍ تاريخ عقيدةٍ بخصائصِها ومقوّماتِها المميزة؛ ولذلك فإنَّ نظرةَ المستشرقين له تختلفُ –لاختلافِ عقائدِهم وأفكارِهم وثقافاتِهم -عن نظرتِنا نحن المُسلمين له، وكثيرًا ما تُجانبُ الصواب. على أنَّ من أفلتَ منهم من مؤثراتِ ثقافتِه وموروثاتِه المشوبة، نراه يُعظّمُ الإسلامَ وقد يقودُه هذا التعظيمُ إلى اعتناقِه، والأمثلةُ على ذلك كثيرة.
والواجبُ على المُسلمين أن يهتمُّوا بتقديمِ التاريخِ وكلِّ مُتعلِّقٍ بالإسلامِ في صورتِه الناصعةِ ليقبلَ المنصفُ الحقَّ ولا يجدَ المُغرضون رواجًا لزيفِهم فيلزموا جحورَهم. وإن كانَ علينا شُكرُ المخلصين من المُستشرقين، فيجوزُ لنا أن نشكرَ الحاقدين منهم؛ إذ يُنبهوننا إلى قيمةِ تراثِنا حينَ تدفعُنا افتراءاتُهم إلى تقصِّي الحقيقة.
لقد أُصيبَ التاريخُ الإسلاميُّ بنكباتٍ كثيرةٍ ألحقت به الأذى؛ ولذا سيُخصصُ جزءٌ كبيرٌ من موضوعِنا لكشفِ الأعداءِ ومخططاتِهم. وهذه المخططاتُ تشمل أمورًا يُمكنُنا هيكلتُها كالتالي: أعداء محليُّون وخارجيُّون، وأهدافهم القضاء على الإسلام بانتزاعِه أو زعزعتِه وبواعثهم الأحقاد، والأطماع، وسوء الفهم المؤدي للأخطاء. ووسائلهم وهي متنوعة، وُجهت نحو حصونِ الإسلامِ المتمثّلةِ في عقائدِه وحُماتِه وتاريخِه وحضارتِه. ثم سنذكر حركات وتيارات متنوعة قامت ضده عبرَ التاريخ.
مُحاولاتُ تشويه الإسلامِ وتاريخه قديمةٌ قِدمَ الإسلام. ولنفهمَ هدفَ هذه المحاولات يُمكنُنا تشبيهُ الإسلامِ بالشجرةِ التي امتنَّ اللهُ بها واختارَ نبيَّه –صلَّي عليه وسَّلم -ليغرسَها؛ فجذورُ الشجرةِ هي عقيدةُ الإسلام، وساقُها أُسسُه ومصادرُه وأركانُه ونظرتُه الكلية إلى الكون والإنسان والحياة، وكلُّ غصنٍ فيها هو جانبٌ من الجوانبِ الإسلاميةِ من تاريخٍ وفقهٍ وأخلاقٍ وفكرٍ متنوع ونظمٍ لحياةِ الفردِ والأُسرةِ والمجتمعِ ولسياساتِ الدولةِ الداخليةِ والخارجية، والذي يسري في عروقِ هذه الشجرة هو روحُ العقيدةِ الإسلامية، وكلُّ جزءٍ منها لا تسري فيه هذه الروح فليسَ من الشجرةِ وغريبٌ عن جسمِها وطبيعتِها، وما دامَ حماتُها يَقِظين لها فإنَّها تمنحُ ثمرَها وظلَّها للناسِ كافة، ويومَ يغفلون يحاولُ الحاقدون والطامعون القضاءَ عليها ويتعاونون على ذلك، ولقد بذلوا جهودًا لزرعِ الأمراضِ والألغامِ وحقنِ أغصانِها بالسموم ومهاجمةِ اليقظين من حماتِها حتى لا يشغلوهم عن هدفِهم.
ولقد اتجهت معاولُ الهدمِ إلى التاريخِ الإسلاميّ باعتبارِه التطبيقَ العمليّ لعقيدةِ الإسلامِ على أرضِ الواقع، ولا نعني بالتاريخِ الإسلاميّ الجانب السياسي منه فقط، ولكن كل جوانبِ الحياةِ الحيوية والفكرية والاجتماعية؛ ولذلك لا يُفهمُ التاريخ دونَ فهمِ العقيدة، ولذلك رأى المُغرضون أنَّ تشويهَ التاريخِ وتزويرَه يُحققُ مآربَهم في هدمِ الإسلامِ وتقويضِه. وإننا لنُشكّلُ لهم عونًا كبيرًا من أنفسِنا عندما نَتَلقَّي كتاباتِهم في التاريخِ ولا نتحرَّي مصادرَنا الموثوقة، ونغفلُ عن أنَّ هذا التاريخَ لا يستطيعُ كتابتَه أو فهمَ أحداثِه من لا يفهمُ عقيدتَه وطبيعتَه؛ ولذلك تناولَ بعضُ الجاهلين من المُنتسبين إلى الإسلامِ كتاباتِ أعدائه بالإعجابِ، وحاولوا تقديمَها في ألبسةٍ براقةٍ من الحداثة، غيرَ أن تلك المُحاولات الهدّامة مهما زُخرفت واتَّخذت ألوانًا خادعةً، تبقى غيرَ صالحةٍ للإسلام حتى ولو صلحت لغيرِه.
اكمل قراءة الملخص كاملاً علي التطبيق الان
ثقف نفسك بخطة قراءة من ملخصات كتب المعرفة المهمة
هذه الخطة لتثقيف نفسك و بناء معرفتك أُعدت بعناية حسب اهتماماتك في مجالات المعرفة المختلفة و تتطور مع تطور مستواك, بعد ذلك ستخوض اختبارات فيما قرأت لتحديد مستواك الثقافي الحالي و التأكد من تقدم مستواك المعرفي مع الوقت
حمل التطبيق الان، و زد ثقتك في نفسك، و امتلك معرفة حقيقية تكسبك قدرة علي النقاش و الحوار بقراءة اكثر من ٤٣٠ ملخص لاهم الكتب العربية الان